Sciences du Patrimoine

Sciences du Patrimoine

لماذا عمت الفوضى والنهب والسرقة إبان الثو

 

 

لماذا عمت الفوضى والنهب والسرقة

 إبان الثورة في تونس

 

انتصر الشعب التونسي في قضيته من أجل اسقاط النظام في تونس بكل ما تعنيه كلمة النظام من اختيارات سياسية واجتماعية واقتصادية، انتصرت الإرادة الشعبية وفق مقولة الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي : إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، وانتصر الشعب لأنه آمن بقضيته في حقه في تقرير مصيره دون وصاية من عصابات الفاسدين عملا أيضا بمقولة الشابي نفسه حين يقول : إذا ما طمحت إلى غاية ركبت المنى ونسيت الحذر.

إنها ثورة بأتم معنى الكلمة تلاحمت فيها إرادة جميع مكونات المجتمع وفئاته حيث بدت شرارتها بالشهيد محمد البوعزيزي الذي ألهب نفسه وألهب قضية الشعب بأكمله عاطلون وطلبة وتلاميذ وعمال ومثقفون ومحامون وأطباء وعيرهم فلم تتوقف الثورة ولهيبها ولم تنثني العزيمة والإرادة في المضي قدما نحو تحقيق الأهداف. وأثناء ذلك سقطت الدماء وارتفع عدد الشهداء ليصل إلى تسعين شهيدا وألف جريح في كامل أنحاء المدن بالجمهورية.

إنها الثورة في معناها الكامل حيث الحدة والتناقض والصدام وحيث الانتشار والتوسع، وحيث الاستمرار والدوام، وحيث المطالب التي تنادي إلى تأسيس الجمهورية التونسية الثانية المناقضة لنظام الحكم الذي تربع على عرشه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. والثورات في كل أنحاء العالم تطمح إلى الانتقال إلى وضعية جديدة مختلفة عن الوضعية السابقة وأثناء هذا الانتقال تفرز وضعيات جديدة مرافقة لأن الدلالات التي يحملها الفاعلون لم تكن بنفس المستوى ولم تكن بنفس الأفق ولم تكن تسمح بالتناغم وهذا أمر اعتيادي في ظروف الثورة التي خرجت من رحم الأزمة الشاملة ومن رحم خاصيات الأزمة بما كانت تحمله من ممارسات سلبية وأخطاء .

لا يمكن إذن فهم الظواهر المرافقة للثورة والفراغ الأمني إلا بالعودة إلى سياق ما قبل الثورة وخصائصها الاجتماعية والثقافية على مستوى السلوك الفردي والجماعي وعلى مستوى التمثلات والذهنيات السائدة والحسابات التي تعودت الأفراد على وضعها والاشتغال بها كرهانات في الواقع الاجتماعي وهذا السلوك الفردي والجماعي هو بطيعة الحال نتاج للمنظومة السائدة التي كرسها النظام السابق ووفر لها مقومات الإستمرار المادي والمعنوي وهيأ لها من الآليات والتنظمات والأطر حفاظا على بقائه وحفاظا على رهاناته.

ومما لا شك فيه أن وضعية الإنتقال تحدث فراغا أمنيا شديدا فالمتظاهرون أثناء الثورة توجهوا إلى تدمير أعمدة النظام السابق ومنها خاصة مراكز الأمن والمعتمديات ومقرات التجمع الدستوري الديمقراطي وأثناء انهيار هذا الجهاز فجأة تختلط على الأفراد الوجهة  وتتشتت مرجعياتهم ولم يعد لهم الرموز السابقة لتأطيرها وفق ممارسات معلنة وهي وضعية مهيأة لاشتغال الآليات السابقة التي تحمل في طياتها خطرة كبيرة على المجتمع وعلى تدمير نفسه وعلى إلحاق الضرر بمكتسبات الثورة وعلى إيذاء المجتمع.

لهذا السبب تتكثف تلك الممارسات المخلة بمكاسب الثورة أثناء الليل خاصة وأثناء الفوضى العارمة حيث تننشر تلك الأفراد في شكل ممارسات فردية أو في شكل مجموعات منظمة وفق الشباكات القديمة ووفق ما تبقى من منظومة العلاقات القديمة داخل أجهزة السلطة السابقة وتعمل على إنتاج أجدة وقتية بهدف خلق أزمة موازية أملا في العودة إلى الوضعيات السابقة. فالسرقة والنهب والسطو على الممتلكات يفهم من جانب كبير على هذا الشكل، فما لحظناه هو تعبير أقصى لما تبقى من جيوب النظام السابق ومخلفاته لمحاولة استرجاع المكاسب السابقة أو خلق وضعية اجتماعية تسمع بالعودة إلى الماضي.

وحسب هذا التحليل فإن هذه الممارسات ترتهن بتمثلات تنشط أثناء غياب الأفق والوضوح السياسي أثناء جني مكاسب الثورة، ولكنها تختفي تدريجيا مع تبين بشكل قاطع أن الثورة انتصرت وأن القيم الجديدة حلت محلها وأنه لا مجال للعودة إلى السابق ولذلك يجب أن تنتبه النخبة السياسية إليه لأنه طالما بقي بعض الرموز على السطح فإن الأمل يبقى لهؤلاء الأمل بالعودة واستعادة مكانهم داخل المنظومة وسيظلون يعملون على تأطير المجموعات واستنفارهم  وإغرائهم بشتى الأشكال وتوجيههم نحو التخريب وفق أجندتهم حتى لا ينحلوا وتتبدد روابطهم.

أما المستوى الثاني من التحليل لتفسير أسباب السطو والسرقة فيكمن في الوضعية الإقتصادية التي كانت سائدة قبل الثورة وهي وضعية أسست لتفاوت اقتصادي وخلفت الفقر والتهميش  على مستوى واسع وبالتالي فإن السرقة هي ظاهرة سابقة للثورة ولها مظاهر متعددة قبل الثورة وقد تأذى منها المواطن التونسي في كثير من الأحيان حتى أن بعضها أخذ أشكال متطورة من التننظم والتوسع بالتشارك مع أعوان النظام السابق ورموزه . ولم يكن الأمن التونسي أنذاك يركز أعماله على حماية المواطن بل كان كل همه مراقبة السياسيين والمعارضين وتكوين ملفات أمنية بشأنهم.

إذن وسط هذا الإطار الحاضن الاجتماعي والسياسي والأمني كان من المتوقع أن تنشأ ظواهر السرقة والنهب والاعتداء على الممتلكات بكل قوة وبكل حدة وهو ما لحظناه بالعين المجردة أثناء الثورة وحين يخيم الظلام على الأرض.

وعلى ذلك فإن الإنتقال إلى الوضعية الجدية حيث الأمن والإستقرار يتطلب القطع أولا مع أية امكانية لعودة المنظومة السابقة وهذا يتعلق بمسؤولية الفعل السياسي في الوقت القريب الذي يحب أن يكون واضحا وصريحا.

الخطوة الثانية هي ضمان عودة الأمن إلى مقراته وعدم استهدافه من قبل المتظاهرين وتوجيه عمله خاصة أثناء الليل لحراسة الممتلكات.

إلا أنه من أهم الممارسات التي يجب أن تبرز هي التضامن الجماعي للسكان والأحياء والتنظم لتشكيل لجان حماية شعبية محلية ويعتبر ذلك سندا هاما للحفاظ على مكتسبات الثورة وبناء عقلية جديدة للدفاع المدني والتنظم الديمقراطي لتسيير شؤون الحياة اليومية وشأنها الخاص.



15/01/2011
1 Poster un commentaire
Ces blogs de Politique & Société pourraient vous intéresser

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 8 autres membres