Sciences du Patrimoine

Sciences du Patrimoine

رسالة إلى السيد وزير الداخلية المؤقت: ملام

 

رسالة إلى السيد وزير الداخلية المؤقت:

ملامح العقلية الأمنية التونسية من خلال حادثة 15-08-2011

تونس في 17-08-2012

محمد الحبيب الخضراوي: أستاذ العلوم الثقافية بجامعة تونس


بعد مرور سنة كاملة على الحادثة، لم يقع الفصل قضائيا في الدعوة المرفوعة إلى الآن، بل لم تقع إحالة الدعوى إلى جلسة الحكم، وأقصى ما تم إلى حد الآن هو الإستماع إلي من قبل فرقة الشرطة العدلية بباردو ثم قيل لي بأنه تمت إحالة قضيتي إلى العدالة. وحيث لا أثر للقضية بقصر العدالة إلى الآن، وحيث لا أثر للملف بمصالح الضبط بالمحكمة الإبتدائية، وحيث أن الفساد لايزال قائما في الإدارة التونسية، وحيث أنني لن أتراجع عن المطالبة بحقي في تتبع وزارة الداخلية وفي وزيرها الأسبق في حكومة السبسي، فإني أوجه هذه الرسالة إلى السيد وزير الداخلية المؤقت من باب ذكَر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.

سيدي الوزير المؤقت،


يشرفني ، أنا المواطن  محمد الحبيب الخضراوي، أعمل أستاذا جامعيا بجامعة تونس أن أرفع إليكم مقالي هذا الذي سأعمل فيه على تحليل مضمون الحادثة التي وقعت في حقي يوم الإثنين 15 أوت 2011 في إطار ما شهدته البلاد من حركات احتجاجية متعددة تمحورت  حول المطالبة بتطهير القضاء  ومحاسبة رموز الفساد، وسأعمل من خلال هذا التحليل على الوقوف عند أهم ملامح العقلية الأمنية التي استخرجتها من قراءتي  الأولية لهذه الحادثة.  وللتذكير فإن هذه الحادثة تتمثل في مجملها  في الإعتداء على شخصي من قبل رجال الأمن من خلال إعطاء الأمر بمطاردتي بسبب تصويري لمشهد أحد الضباط وهو يحرض التجار المنتصبين فوضويا على التصادم مع المتظاهرين وقد تمت مطاردتي من قبل أعوان الأمن بواسطة الدراجات النارية واللحاق بي وطرحي أرضا  ثم تعنيفي وضربي من قبل مجموعة منهم وافتكاك هاتفي الشخصي وتواصل الإعتداء إلى غاية فقداني لوعيي،  ثم تم سحلي بعد ذلك من رجلي عبر الشارع ومن حسن الحظ أنه تم تصوير هذا المشهد من قبل بعض المواطنين وتم نشره عبر الفايس بوك بطريقة سريعة ونقل عبر عشرات الآلاف من المتصفحين للمواقع الاجتماعية المختلفة.

 

 

لماذا تحليل مضمون الممارسة؟

إن تحليل مضمون الممارسة هي تقنية علمية من تقنيات التكوين تسمح لنا بالتعلم السريع من خلال تشخيص وضعية مهنية أو سلوكية بهدف التوقف عند مكونات هذه الممارسة في سياقها وعناصرها ومن ثمة القدرة على تقييمها وإبراز نقاط القوة فيها ونقاط الضعف بالعودة إلى المبادئ العامة والقوانين المسيرة وتنتهي باستخراج تصور عملي لما ينبغي أن تكون عليه الممارسة بتجنب هناتها وتعزيز عناصرها الإيجابية واستثمارها في السلوك اليومي المهني والوظيفي. وعليه سأعمل على تطبيق هذه التقنية في تحليل الحادثة المذكورة واستخراج أهم ملامح العقلية الأمنية التونسية التي لا يسمح لنا المنهج العلمي بتعميمها على كل الممارسات الأمنية وإنما أعتبرها منطلقا للتفكير الجدي في التعامل معها كحالة مشخصة يمكن أن تخفي أزمة داخلية لمنظومة قائمة لها تداعيات خطيرة على الراهن والمستقبل القريب والبعيد للبلاد التونسية. فماهي أهم عناصر هذه العقلية الأمنية كما بدت في الحادثة؟

 

1-   عقلية إحداث الفتنة:

تجسدت هذه العقلية من خلال عملية التحريض التي قام بها الضابط بالأمن حين توجه بشكل مباشر إلى التجار المنتصبين فوضويا وهم يحملون عصيا وهراوات وأدوات حديدية يستعملونها لعرض سلعهم، وتحريضهم إلى التوجه للمتظاهرين للتصادم معهم ونتيجة لذلك استجابت مجموعة منهم لهذا الأمر وتقدمت فعليا في اتجاه المتظاهرين ولوحوا بعصيهم واستعمل بعضهم الحجارة ورماها في اتجاه المتظاهرين أمام حماية وتشجيع كامل الفريق الأمني على مستوى مفترق نهج رومة وشارع فرنسا. هذا السلوك الصادر عن كامل الفريق الأمني هو الذي يجب أن نتوقف عنده لأنه ممارسة تؤشر على ذهنية تعمل على إحداث الفتنة بين المواطنين فيما بينهم ودفعهم إلى التقاتل واستعمال العنف وتشجيع طرف أو مجموعة ضد مجموعة أخرى وتحريضها على استعمال العنف ضدها لحملها على الإنضباط. إن رجل الأمن يجب أن يتخلى كليا على مثل هذه الممارسات لأن الأمن – في حالات الإحتجاج والتظاهر هذه- هو مسؤولية رجال الأمن لوحدهم وللمواطن أدوارا أخرى في تحقيق الأمن لا يمكن أن تتعدى حدود القانون واحترام الحقوق والواجبات. وعملية التفتين في حد ذاتها هي عملية مربحة للمحرض على الفتنة لأنها تحيل دوره إلى دور المتفرج والمتخلي عن المسؤولية لكن آثارها الاجتماعية تكون كارثية على مستوى المجتمع لأنها تعمق الكراهية والعدائية فيما بين فئاته . وغالبا ما تستعمل هذه الممارسات التفتينية بين المجموعات الاجتماعية من قبل المستعمر والأنظمة الدكتاتورية عندما لا يكون جهاز الأمن ينتمي إلى الشعب نفسه. وعندما ينتفي إحساس المسؤول الأمني بأية مسؤولية للتنمية البشرية في مجتمعه.

 

2-   عقلية استغلال النفوذ وتوظيفه:

يعتبر الباعة المنتصبون فوضويا من بين أهم الفئات التي تم تهميشها في النظام السابق وهي لاتزال مهمشة إلى حد الآن بل اتخذ التهميش حالات معقدة . وقد تم استغلال هذه الفئات والزج بها في علاقة تصادمية مع المتظاهرين مما يؤكد أنه يمكن أن تكون هناك علاقات مشبوهة بين رجال الأمن وهؤلاء المهمشين خاصة في مجالات خارقة للقانون مقابل تطمينات بعدم التتبع والملاحقة ولا نعلم هل أن مثل هذه العلاقات لاتزال متواصلة إلى حد الآن أم لا. إلا أن استجابة الباعة لأوامر الضابط توحي بوجود نوعا من العلاقة المتسمة بالنفوذ والخضوع بين الطرفين، وفي جميع الحالات فإن علاقة رجل الأمن مع المهمشين والمنحرفين يجب أن تقنن أكثر ولا تترك دون تقييد لأنها أرضية خصبة للإعتداء على حقوق الإنسان وأرضية لمساومات غير أخلاقية وغير إنسانية وضد القانون. صحيح أن هناك استفادة معلوماتية قد تحصل بين عون الأمن والمهمشين أو المنحرفين إلا أن ذلك لا يبرر استغلال النفوذ والسلطة واستثمار العلاقة لمصالح شخصية أو لرهانات خاصة داخل جهاز الأمن لفائدة طرف بعينه خدمة لأهداف ضيقة.

 

 

3-   عقلية الاغتيال:

يشير كامل السيناريو الذي واكب الحدث إلى عملية تهدف إلى الإغتيال بدءا من المطاردة العنيفة وصولا إلى عملية القبض على المعني ثم إبعاد المواطنين عن مكان الحدث واستعمال الطلق الناري ثم التفرد بالضحية وجره من رجله وهو ملقى على الأرض لا يحرك ساكنا وأخذه إلى مكان مجهول. كل هذا التسلسل من الممارسات يشير إلى مواصفات الإغتيال بامتياز ولو لم يكن هناك شهود ومصورون ومواطنون تمكنوا من افتكاك الضحية واستعادته لكان الضحية في عداد المفقودين إلى حد الآن.

 

4-   عقلية المطاردة:

المشهد يشير إلى مطاردة جدية انطلقت من أول شارع فرنسا مرورا بالمحلات التجارية وبين المباني إلى غاية نهج شارل ديغول في حدود 200 متر عن طريق رجال الأمن الممتطين دراجات نارية كبيرة الحجم بلغ عددها 03. وقد رافق هذه المطاردة هجوم جانبي اسنادي لإبعاد المتظاهرين وتأمين عمل فريق المطاردة. ويبدو أن هذه الممارسة تم التدرب عليها جيدا من قبل قوات الأمن وقد تمكنوا من تحقيق هدفهم باسقاط المعني أرضا والوصول إليه. وإذ أهنئ الفريق على هذا النجاح إلا أنهم سقطوا من حيث لايعلمون- أو ربما يعلمون- في فخ أوقعهم فيه من أعطى الأمر بتنفيد المطاردة. فالمطاردة في واقع الحالة التي جرت ضدي لا تتوفر أركان وجوبها فأنا عندما كنت أصور المشهد كنت وحيدا بمفردي وأعزلا سوى من هاتف خاص لا أملك سلاحا ولم أقم بمهاجمة شخص أو عون أمن  ولم أعتد على أحد وكنت واقفا في مكاني ولم أناد بشعار أو أتلفظ بكلمة في أي موضوع كان، ولا أعلم أنني كنت من المطلوبين للعدالة أو فارا منها حتى تتم مطاردتي، فأنا أعمل أستاذا جامعيا في العلوم الثقافية ومهنتي تفرض علي أن أستعمل قدراتي الفكرية والعقلية في البحث العلمي والتعليم والتكوين أكثر من أي شيء آخر كما أنني أشتغل في هذه الفترة ضمن الهيئة المستقلة للإنتخابات وهو ضابط آخر لسلوكي الذي يتسم بالتوازن. فلماذا كانت هذه المطاردة إذن ؟ ولماذا لم يقدر المنفذون لها عواقبها الوخيمة التي يمكن أن تحصل في أية لحظة نتيجة الملاحقة والمطاردة كالسقوط والاصطدام والإرتطام التي قد تنتهي بموت المطارد لا قدر الله وقد تنتهي أيضا بمخلفات أخرى في المحيط البشري والمادي إما بفعل الحوادث أو بفعل الوضع الصحي الخاص الذي يمكن أن يكون عليه المطارد والمعتدى عليه. فتسارع نسق دقات القلب لوحده بشكل مفاجئ يمكن إذا ما تزامن مع وضح صحي معين أن يؤدي بحياة الإنسان. فهل يعلم المطاردون ما هم بصدد فعله أثناء المطاردة؟ أم هم ينفذون أوامر عمياء ليس لها من مبرر؟.

 

5-   عقلية الإعتداء:

الإعتداء على حقوق المواطن وحرمة جسده بواسطة الضرب والركل بالهراوات والأرجل المصفحة بالأحذية الخاصة. هذا المشهد تم نقله عبر الفايس بوك ولا يمكن إنكاره وما تم تصويره هو جزء من الواقعة وليس كلها لأن عملية الإعتداء التي بدأت من الإسقاط على الأرض تواصلت إلى حد أنني فقد الإحساس بما حولي .وتم حملي إلى المستشفى بواسطة سيارة اسعاف بعد أن أنقذني المواطنون من قبضة المعتدين. وأكد الطبيب العمومي بمستشفى الرابطة الآثار الناتجة عن الحادث وسلمني شهادة طبية في الغرض. هذه الممارسة لا تستحق التعليق كثيرا لأنها مدانة بجميع المقاييس ولأنها مرفوضة بحكم القوانين الدولية والقوانين التي أمضت عليها الدولة التونسية لا سيما بعد 14 جانفي.

 

6-   عقلية التشفي المبرمج:

المشهد لا يشير فقد إلى محاولة للقبض على شخص وإحالته للجهات المختصة للتثبت معه بل يثبت أن أعوان الأمن وعددهم خمسة حسب المشهد، كانوا  يقومون بعمل انتقامي وقد نكلوا بشخصي . فبعد الإسقاط على الأرض كان يمكن أن يتوقف الأمر بوضع الكبالات في الأيدي فقط إن كنت مطلوبا ولا داعي لمواصلة الضرب. إن الأمر وصل إلى حد التنكيل بالضحية لأن المشهد واضح لا لبس فيه فالضحية كان ملقى لا يتحرك البتة مما يدل على أنه فقد الوعي ورغم ذلك تجرأ أحد الأعوان وسحله (جره) من ساق واحدة  وباقي جسده على الأرض ، في اتجاه شارع فرنسا وهي عملية مشينة في حق الضحية لا نراها إلا في الدول العنصرية. فلماذا هذا التنكيل؟ ألأنه كان يقول أثناء الضرب " أنا أستاذ أنا أستاذ جامعي" ، أم لأمر آخر لا نعلمه؟ وما هي التعليمات التي أعطيت لهذا الفريق في تلك اللحظات؟ هذا الأمر يمكن أن يجيب عنه وزير الداخلية نفسه لأنه يملك المعدات الإتصالية وآمل أن تكون التعليمات قد تم تسجيلها لإثبات أركان هذه الجريمة.

لقد أضيفت إلى عملية الإعتداء جريمة أخرى ثانية هي التنكيل وعدم استدعاء الإسعافات لمصاب بعد التعنيف. فماذا لو أصيب الضحية بنزيف دموي في الدماغ؟ لماذا تمادى الأعوان في الخطيئة؟ إن هذه الحادثة كانت من الممكن أن تؤدي إلى وفاة حقيقية لا لبس فيها. فهل كان أعوان الأمن مدركون لما هم بصدد القيام به آنذاك؟ وهل أن إصرارهم كان ذاتيا أم بأمر من رئيسهم؟

 

7-   عقلية الترهيب

تجسدت ممارسات الترهيب في حيثيات الحادثة التي شملت ترهيب المواطنين أثناء العملية ككل حيث رافقتها إطلاق ناري قوي ومكثف بين طلقات نارية وطلقات لقنابل الغاز المسيلة للدموع للتغطية على مسرح الجريمة ولإبعاد المواطنين عنها. الترهيب في هذا الحالة يعني أيضا أن التعنيف وقع أمام مرأى ومسمع من المواطنين وتم فيه استعراض للقوة واستعمال لها ، وتم الإفراط في استعمالها ضد مواطن أعزل لا حول ولا قوة له إلا من إيمانه بمواطنته.

 

8-   عقلية طمس الحقيقة:

يبدو أن أهم دافع للقيام بهذه العملية الإجرامية في حقي هو المشهد التي صورته بشكل مباشر وواضح حينما كان الضابط يحرض التجار على التصادم مع المتظاهرين. هذه الواقعة هي التي أراد الضابط طمسها وإخفاءها حتى لا يعلم بها أحد غيره .وقد تفطن إلى خطورة سلوكه ذاك عندما لاحظني بصدد تصوير أوامره للتجار. وقد حرص أعوان الأمن أثناء الجريمة على افتكاك جهازي الخاص وهو هاتف محمول متواضع مزود بكاميرا من نوع نوكيا Nokia E – 71 . هذا الإصرار على تفكيك الهاتف في مرحلة أولى ثم افتكاكه في مرحلة ثانية بالعنف القاسي باعتباره الوثيقة والدليل على الإدانة يؤكد الرغبة في طمس الحقيقة والتستر على خطأ مهني وتوظيف السلطة والنفوذ لإخفاء معالم الأخطاء الفردية وتوريط الإدارة في ذلك. فالخطأ ولد أخطاء وضاعف منها.

 

9-   عقلية التجاهل والتنكر:

إلى حدود كتابة هذا المقال بتاريخ 17أوت 2012 أي بعد حوالي 366 يوما من الحادثة لم تهمس وزارة الداخلية ببنت شفة حول شخصي والحادثة المتعلقة بي ، رغم شناعتها، وكأن شيئا لم يقع ولم يحدث ، حيث أنه لم يقع الإتصال بي لإستعادة هاتفي والسؤال عن وضعي الصحي وتقديم الإعتذار لي ومواساتي إلى حين يتم التحقيق في ملابسات الواقعة، وهنا نتساءل لماذا تتعامل الإدارة الأمنية مع المواطن بهذا الشكل؟ لماذا يتم تجاهله مطلقا أو التنكر لممارسات ثابتة وصدام وقع ونقلته صفحات الفايس بوك بكثرة؟ ما ضر وزارة الداخلية لو كلفت إحدى إداراتها الإجتماعية للتواصل مع الضحية إجتماعيا ونفسيا وطمأنته على أن الحقوق لن تضيع إذا ثبت التجاوز والإخلال. إن تطوير العلاقة بين الأمن والمواطن ليس شعارا يرفع وإنما هو ممارسة يجب أن تتجسد من خلال حالات مشخصة وواقعية ، وحين تتراكم هذه الممارسات يمكن أن تتطور تلك العلاقة. وزارة الداخلية لم تتحرك إلا بعد أن طلب منها السيد وكيل الجمهورية الإستماع إلى المدعي وكان ذلك في أكتوبر من سنة 2011، ومنذ ذلك التاريخ ضاع الملف وضاعت القضية.

 

10-          عقلية التعتيم الإعلامي:

لقد مارست وزارة الداخلية تعتيما إعلاميا حول هذه الحادثة بالرغم من نقل الإعلام لهذه الحاثة في جريدة الشروق والصباح والشعب والراية والإذاعة الوطنية من خلال نقل لتصريح مباشر، إضافة لما نقلته عبر راديو كلمة وشريط مصور لثورة TV بالأنترنت وشريط آخر لمنظمة حرية وإنصاف. وكان من نتائج هذا التعتيم أن فسح المجال للتأويل والتحليل والاستنتاج من خلال الربط بين مجموعة من الأحداث التي وقعت في سياقات متقاربة ومتشابهة. وقد لعبت المواقع الاجتماعية دورا محوريا في ذلك وعبرت من خلال هذه الحادثة عن الوجهين المتناقضين لهذه المواقع: الوجه الإيجابي (المتمثل في نقل الحدث ونشره) والوجه السلبي (المتمثل في تشويه الحدث عن قصد وعن غير قصد). وقد تم بمقتضى هذا التعتيم ربط حادثتي بحادثة أخرى تمثلت في مقتل شخص آخر بشارع قرطاج وانتشر الخبر بالتحليل الصوتي والمصور على أوسع نطاق ولم تكلف الداخلية نفسها عناء التوضيح إلا بعد 12 يوما من الواقعة عندما تحدث بالتلفزة الوطنية ممثل وزير الداخلية المؤقت السيد هشام المدب عبر نشرة الأنباء الرئيسية في الثامنة والنصف مساء.

 

إلا أن التوضيح الذي عرضه السيد هشام المدب المكلف بمهمة لدى وزير الداخلية المؤقت لم يكن ناجعا ولم يشر إلى حادثتي مطلقا وأنكر وجود مثل هذه الممارسات يوم 15 أوت تاريخ الحادثة واكتفى بعرض حالتين فقط بالقناة الوطنية أكد من خلالهما أن عملية الوفاة كانت خارج مسؤولية وزارة الداخلية. ولم يكلف هشام المدب نفسه حتى عناء التعليق عن شريط الفيديو الذي نقلته التلفزة الوطنية ويحتوى مشهد الضرب والتعنيف في حقي نقلا عن منظمة حرية وإنصاف التي قدمت فيه تقريرا حول ممارسات التعذيب لأعوان الأمن. ولتدعيم رأي السيد هشام المدب عرض هذا الأخير صورا فوتوغرافية قال أنها التقطت بواسطة كاميرا مراقبة وتحتوي على مشاهد معاكسة تماما للتقرير المعروض بشريط الأنباء أين يظهر بعض العنف الموجه ضد رجال الأمن. ودون أن أتعمق في نقد تلك الصور التي عرضها فإنني أشير إلى إحدى تلك الصور التي رأيتها بأم عيني ولكن في إطار السياق الحقيقي لها ومن الزاوية المعاكسة أي زاوية المصور حيث كان بعض التجار هم الذين يقفون إلى صف أعوان الأمن ويلقون بالحجارة تجاه المتظاهرين المتواجدين بنهج روما وبالتالي كان المتظاهرون يردون بالمثل. إني أنصح السيد هشام المدب بأن يتوخى التدقيق في عرض بعض الصور في مثل هذه الأحداث وإذا كانت نية وزارة الداخلية سليمة في التصدي لمظاهر الجريمة فلا يمكن أن تعتمد على مثل هذه الصور وعلى مثل ذلك المصور الذي شاهدته وجها لوجه وهو يلتقط صورا لي .هذا المصور الذي يأتي في اللحظة الموالية للحدث ويلتقط ردة الفعل دون أن يسجل سياق الفعل المنطلق الأول للحدث.

 

وفي خاتمة هذا المقال الأولي ، حيث استعملت فيه تقنية تحليل مضمون الممارسة، وانطلاقا من إحساسي بمسؤوليتي الوطنية على الأقل من موقعي كأستاذ بالجامعة التونسية، أتمنى أن أكون قد قدمت خدمة جليلة للوطن ولوزارة الداخلية لكي تتخطى مظاهر جميع تلك العقليات التي أشرت إليها وأن تحاسب المتجاوزين للقانون والموظفين للسلطة والنفوذ للتغطية على الأخطاء حتى لا ينطبق عليها صفة العقلية وحتى لا تتخذ هذه الممارسات مواصفات الظاهرة الاجتماعية، وحتى لا يتكرر مثل ما حدث مع مواطن آخر، وأن تعمل الوزارة جديا على التعاطي مع المسألة الأمنية من جانب المواطنة بعد 14 جانفي . وإن لم يكن مقالي موفقا بحسب المسؤولين ورجال الأمن بالداخلية فإني أطلب تكوين لجنة من الخبراء في تحليل الممارسة من أجل بناء استراتيجية في التكوين لفائدة كبار المسؤولين والضباط ورؤساء الفرق والأعوان بدرجاتهم المتفاوتة الجدد منهم والقدامى للتعامل مع هذه العقليات بشكل موضوعي والعمل على معالجتها.

 

كما أن قضيتي قد تأخذ منعرجا جديدا خطيرا إن لم يقع الكشف عن مآل الشكوى التي تقدمت بها والتي يبدو أن لا أثر لها بمصالح وزارة العدل. وسأجد نفسي مضطرا لأن أرفع حينها قضية أخرى بمصالح وزارة العدل التي قد تكون متورطة في ضياع الملف الذي يحتوي على الوثائق الأصلية للدعوى.

 

كتب في : 17 أوت 2012

د.محمد الحبيب الخضراوي

أستاذ العلوم الثقافية بجامعة تونس

 

لمشاهدة الحادثة كما وقعت اضغط على هذا الرابط



19/08/2012
0 Poster un commentaire
Ces blogs de Politique & Société pourraient vous intéresser

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 8 autres membres