Sciences du Patrimoine

Sciences du Patrimoine

الأزمة الإجتماعية في تونس ندوة وطنية للبح

الأزمة الإجتماعية في تونس

ندوة وطنية للبحث في حلحلة الأزمة 

 

 

 

أعلن رئيس الدولة التونسية السيد زين العابدين بن علي في خطاب متلفز بثته جميع القنوات الرسمية المحلية يوم الإثنين 10 جانفي  2011 على الساعة 16.00 بالتوقيت المحلي ، في إطار جملة من الإجراءات لحل الأزمة الاجتماعية المندلعة تداعياتها من منتصف شهر ديسمبر 2010، أعلن عن اعداد ندوة وطنية " يشارك فيها ممثلون عن المجالس الدستورية والأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدنى المعنية وعدد من الجامعيين والكفاءات من مختلف القطاعات ذات الصلة وكذلك ممثلين عن الجهات لطرح ارائهم واقتراح التصورات لمزيد دفع التشغيل والمبادرة بما يستجيب للطلبات المنتظرة للشغل خلال السنوات القادمة. وستنتظم هذه الندوة خلال الشهر القادم."

إننا نعتبر- على حد علمي-  أنه من بين الثغرات الهامة التي يعاني منها المجتمع التونسي هي غياب البحث العلمي ذي العلاقة بالمعيش اليومي والراهن للمجتمع التونسي خاصة في مجالات العلوم الإنسانية والإجتماعية، وقد فاجأتنا الأحداث الأخيرة وأوقفتنا على حقيقة مفادها أننا لا نتوفر على مفاهيم ونظريات ومقاربات لقراءة واستشراف ما وقع في المجتمع التونسي، كما أنه لا وجود لقيادات فكرية يمكن الرجوع إليها في مثل هذه الأزمات وهي ثغرة هامة تم تعمد خلقها وتكريسها تاريخيا  بالتقليص من قيمة العلوم الإنسانية والإجتماعية في دعم وتكوين الكفاءات الجامعية.

إن الأزمات الاجتماعية هي فرصة للمجتمع لكي يراجع نفسه في كل مكوناته ومؤسساته وآلياته، ودون هذه المراجعة الجادة والمساءلة الدقيقة والتعمق في البحث ستتداعى الأزمة إلى مظاهر تستعصي معالجتها وتعود بالضرر على كل الفئات مهما علا شأنها الإجتماعي، ويتحمل في ذلك كل طرف بحسب موقعه وقدراته ومسؤولياته، ونحن من منطلق موقعنا الفكري  نشير إلى أهمية مثل هذه الندوات ودورها في خلق ثقافة علمية يستأنس بها أصحاب القرار.

إلا أننا نشير إلى أن هذا المسار من البحث في الواقع المعيش لا يمكن أن يكون وقتيا أو شكليا أو صوريا بهدف إرضاء جهة واشباع رغباتها في رؤية الواقع بالتشكل الذي تراه. وفي هذا الإطار نشير إلى الملاحظات التالية:

  1. كشفت الأحداث الأخيرة أنه لا وجود لمجتمع مدني فاعل في تونس لأن تداعيات الأزمة على المستوى الشعبي خرجت عن التأطير ولم تستطع أية جهة أن نستوعب ما حدث بما فيها الأحزاب السياسية الرسمية والمعارضة وبما فيها الإتحاد العام التونسي للشغل الذي تعثر في خطاباته الأولى.
  2. إن ما يسمى بمكونات المجتمع المدني سارعت في أول اندلاع الازمة إلى اصدار بيانات منددة بالأحداث واعتبرتها أنها أحداث معزولة اختلقتها فئات محدودة لا تعبر عن واقع الشباب التونسي الذي ينعم بـ ..... وبـ..... وسارعت باستعمال مقولات جاهزة تعودت على تسويقها في كل مناسبة.
  3. أصدر مجلس المستشارين في أول بيان له محتويات مفادها التهجم على قناة الجزيرة التي استقطبت عناصر مأجورة وعملت على التحريض وصنع المكيدة للبلاد التونسية التي تنعم بكل خير. وقد أكدت الأحداث الخطأ التحليلي لمحتوى بيان مجلس المستشارين الذي كان مجانبا للتحليل المعمق وتقدير الأمور حق قدرها، ويبدو أن البيان كان يرفض الإقرار بالأزمة الإجتماعية ويعمل على تجاهلها واقناع الآخرين بهذه الصورة وهو ما أعتبر نوعا من الهروب إلى الأمام للتغطية عن العجز في الرؤية وضعف أداء الجهاز الإستشاري للرئيس وللدولة من أجل مواصلة البقاء في المهام . وكان المفروض في مثل هذه الأزمات أن تقع إقالة هذا الجهاز الإستشاري لا لشك فيهم ولكن لعجزهم عن أداء الوظائف التي تؤجرهم الدولة على أدائه. فهم مأجورون على عمل لم يحسنوا القيام به والأحداث تؤكد ذلك. كما أن أعضاء الحكومة (وزير الإتصال +وزير التعليم العالي) ناقضوا ذلك الإتهام الذي وجهه مجلس المستشارين ومنظمات أخرى مثل اتحاد الصناعة والتجارة والمرأة، وظهروا بعد أيام قليلة على شاشة الجزيرة لبيان موقف الدولة.
  4. إن الخطأ الجسيم في إنجاز الندوة الموعودة هو اعتمادها على تلك الجمعيات ومكونات المجتمع المدني الذي ثبت عجزه تماما عن توقع وتفسير وقراءة ما حدث كليا، ويعتبر أن ما حدث كشف القناع عن زيف الخطابات القائمة مهما تلونت .
  5. لقد حاولت السلطة بكل عناصرها المدبرة والمفكرة أن تنزع البعد السياسي عن الأحداث وتوعدت كل محاولة تربط البعد الاجتماعي بالبعد السياسي، وتؤكد في كل مرة أن حركة الأحداث هي اجتماعية بالأساس وليس لها أي بعد سياسي. إن هذا الإقرار على احتكار توجيه الأحداث وفهمها بهذا الشكل هو خطأ آخر من وجهة نظري لأن السياسة والاجتماع وجهان لعملة واحد فالسياسة تطبق على الإجتماع البشري والمجتمع ينتج سياسة. والدليل على ذلك واضح ، فبعد اندلاع الأحداث مباشرة تم عزل مجموعة من الولاة وتغيرت مواقع بعض الوزراء وتم اتخاذ جملة من الإجراءات الإقتصادية وتعني جميعها أن السياسة استجابت لأثر الأحداث الاجتماعية وغيرت في الواقع السياسي والإداري والإقتصادي القائم. إننا نتساءل لماذا يتم التهرب من البعد السياسي في التعامل مع الأزمة الإجتماعية ؟ لماذا هذا الخوف والتخويف؟ هل السياسة خطر على المجتمع؟ هل السياسة حكر على فئة دون أخرى؟ لماذا كل ذلك والحال أن السياسة هي مقوم أمان ومناعة للمجتمع من الضياع والإنحراف والإنفلات. إن السياسة كما أفهمها على الأقل من الناحية الفكرية هي القدرة على توجيه الواقع وفق الممكن الذي يتاح، ولذلك فهي مؤطر لحركة الفعل. والتفكير المعقول يشير إلى الخطر الكبير هو الذي يلحق المجتمع في صورة ضعف الفعل السياسي ويهدده لأنه يترك في متاهات الفوضى المدمرة. والتفكير السليم يدعو إلى تكثيف التأطير السياسي و مكونات المجتمع المدني بالشكل الفعلي لا الصوري. كما يدعو إلى مراجعة الخيارات السياسية وأشكال التأطير القائمة وممثلي الشعب بكل جدية وإخضاعها للمحاسبة والشفافية.
  6. لقد كانت لتونس تجربة فريدة من نوعها في الاستشارات الشبابية الموسعة التي شملت فئات واسعة من الشباب التونسي الذي تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، وحسب ما هو ملاحظ فإن الفئات التي تقوم بالإحتجاجات الشعبية الإجتماعية هي نفسها الفئات التي شملتها الاستشارات الشبابية. وهذا الإقتران يدفعنا إلى طرح تساؤلات جدية حول الإستشارات المنجزة ومدى مصداقيتها في التعبير عن الواقع الشبابي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي. ونحن نعتبر أن الإستشارة تضم جزأين أساسيين : الأول يهتم بالمسح الميداني القائم على استبيان يوزع باحترام المواصفات الإحصائية وبالرغم من أن بعض الأسئلة التي تطرح بالإستبيان لم تخضع للتحليل العلمي وصودرت إلا أنه إجمالا يمكن الاطمئنان إلى القيمة العلمية لهذا الجهد من ناحية وضعف الإستغلال الإداري والسياسي له من ناحية ثانية . أما الجزء الثاني من الاستشارة فيهتم بالحوار مع الشباب وقد أكدنا في مناسبات سابقة أن عدم احترام المواصفات البيداغوجية عند اجراء الحوار لن يزيد إلا تعميقا للفجوة بين السلطة والشباب. ودليلي على ذلك أنه لم يتم نشر أية نتائج للحوار مع الشباب مطلقا وتم التعامل مع المنابر المحلية كصيغ سياسية شكلية وليست جدية ولم تكن مطابقة لمواصفات الحوار. وتم طمس نتائجها عمدا.  إن تلك الثغرات في الحوار مع الشباب لم يتم الإصغاء إليها ولم تجد لها قرارا عند أصحاب القرار. وما نلاحظه اليوم في الاحتجاجات يبرهن على فراغ الحوارات القائمة من المحتويات الجدية الصادقة. وإن كنا نطمح اليوم للمعالجة من خلال الندوات فلا مناص من إعادة إعطاء معنى جديدا للحوار مع الشباب.

إنني أعتبر أن الأجهزة القائمة تآكلت ولم تعد تعمل من أجل النجاعة بل تعمل من أجل تسويق صورة خاوية تسمح بالإبقاء على المصالح المكتسبة وتكريسها وإعادة انتاجها وتخون كل امكانية للتجديد والتطوير. وهذا رأي يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ ولكنه مساهمة في الندوة قبل الندوة من منطلق الواجب الوطني.



11/01/2011
0 Poster un commentaire
Ces blogs de Politique & Société pourraient vous intéresser

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 8 autres membres